fbpx

أو نحرق البلد.. وقد أحرقها

نبيل الملحم

“الهجرة”، أو “الرحيل” أو “الفرار” أو اللجوء”، كلها مفردات تصلح لحال الشباب السوري الذي ترك بلاده وعثر على “مرقد عنزة” في مكان ما من هذا العالم، غير أن هذه المفردات بمجملها تضاعفت ما بعد ٢٠١١ يوم انفجرت الأحوال السورية وخرج الناس لرفع شعار:

ـ الشعب يريد إسقاط النظام.

وقابل المحتجين على الضفة الثانية من يهتف:

ـ الأسد أو نحرق البلد.

لم يُسقِط المنتفضون النظام، فيما انتصر حلفاء النظام و “أحرقوا البلد” كما شاءت لغتهم، ومن بعد تبعثر السوريون، فمن لم يغادر، لم يغادر  بعضهم وقد “طرقوا باب الرجا والناس قد رقدوا”، أو لم يغادر وقد استثمر في الحرب وصولاً لشرائح واسعة عثروا في الحرب استثماراً، فكانت طبقة من أثرياء الحرب، لم تطلهم المجاعة وقد طالت من تبقّى من السوريين الذين مكثوا.

في كل الحالات، وفي العودة لطلائع الهجرة والرحيل، فقد اشتغل كل من “النظام” و “المعارضات” على تهجير الناس، النظام اشتغل على ترحيل الناس بالعنف والهراوة، والمعارضات اشتغلت على ترحيل الناس بإغراءات الهجرة والتشجيع عليها، حتى خلت البلد من الشباب، فباتت خالية من “مُحتجّ” يرفع صوته، أو “عريس” يتقدم لخطوبة بنت الجيران، وهكذا استفرد النظام بالناس، فيما تاه المغادرون وقد انقسموا إلى شباب يقتلهم الحنين، أو شباب يشتغلون على دمج أنفسهم بالمجتمعات المضيفة، دون نسيان تلك الثلاجة التي احتضنت كليهما،  ومع الثلاجة تعطلت الحياة السياسية السورية، وباتت محكومة للنظام ومناصريه، أو للمشاريع الخارجية وفق قاعدة “الخارج يشتغل لحساب الخارج”، ما جعل المسألة السورية على حدتها، خبراً ثانوياً في نشرات الأخبار، فتعطّلت حتى أوشكت أن تغدو منسية، فيما المجاعة والعنف حاضران كما لو ذاكرة تتجدد.

في تركيا اليوم يرحلون اللاجئين قسراً، هكذا يلملمونهم من الشارع أو المبيت أو مكان الشغل، وفي لبنان حلّت مسألة اللجوء السوري في الخطاب السياسي حتى بات الخطاب السياسي يحيل كل الازمات اللبنانية اليهم بدءاً من سعر صرف الدولار وصولاً إلى بكيني الشواطئ، وفي دول المجموعة الأوروبية “ليس على اللاجئ سوى اتقان صعود قاطرة المترو”، و “الكف عن التذمر من كلب السيدة التي تجاوره المقعد”، وفي كل الحالات مازال حال اللاجئين مجمّداً، فيما الجهات الراعية للجوء تزداد ثراء وتستثمر في وجودهم ومصائرهم، والبلد تخلو يوماً بعد يوم من شبابها، ما يطيل عمر النظام وآلته، وما يجعل السوري بلا فضاء لغد، فيما الأمس يخيم بكل ثقله على حياته وذاكرته ومصيره، وكلما طال الوقت ابتعدت العودة، وهو بالتمام والكمال ما اشتغل عليه النظام، وكان هذا قبل بشار الأسد بزمان طويل حتى أن كلمات “العمّ” مازالت تحفر برؤوس السوريين، و”العمّ” هنا لابد ويكون رفعت الأسد وسبق وقال في نشوة أنه استلم البلد بـ “خمس” ملايين نسمة وسيعيدها إلى ما استلمها، فيما “ابن الأخ” ونقصد بشار فقط طوّر بنظرية عمه إلى حدّ البحث عن “سوريا المجتمعات المنسجمة”، ولا بد أن “المنسجمة” هنا، لاتعني سوى جماعة “أو نحرق البلد”، فصارت البلد لهم، واستفردوا بها، فتغوّلوا فيها ولم يعد النظام يحسب لـ “انتفاضة” أو “احتجاج” أو “صوت يعلو” فإن ارتفع صوت فلن يرتفع سوى بما رسمه له النظام مما يدعى “خط أحمر”.

هذا هو الحال السوري اليوم:

ـ مجتمعات منسجمة تقتلها المجاعة.. مهاجرون أو فارون من العنف أو السجن ومن ثم المجاعة.

وخطوط حمراء يرسمها من انتصر بشعاره:

ـ أو نحرق البلد.

وقد أحرقها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى