fbpx

المرأة التونسية؛ من القوانين الداعمة إلى براثن الإرهاب

مرصد مينا الإعلامي/ مكتب تونس تحقيق صحافي

  • منى بن قبلة واحدة من مئات التونسياتاللواتي اخترن التطرّف.
  • نساء المجتمع الحداثي يقعن في فخ التطرف.
  • ترسانة القوانين الداعمة لمكاسب المراة التونسية لم تحصنها من براثن الإرهاب.

تفجير التونسية منى بن قبلة لنفسها في شارع الحبيب بورقيبة في تونس، والكشف لاحقاً عن انتمائها إلى التنظيم الإرهابي بطريقة سرية لم تستطع حتى عائلتها التقطن لها، كشف النقاب عن مئات التونسيات اللواتي اخترن التطرّف والإرهاب، نساء كانت لبعضهنّ مساهمة مباشرة في الفعل الإرهابي، وبعض آخر اكتفى بأدوار تبدو ثانوية، ولكنّها أدوار مهمّة، وعلى الرغم من عددهن المحدود إلا أن النساء في تنظيم أنصار الشريعة في تونس، استطعن أن يكسرن قاعدة حمل فعل الإرهاب على الذكورة، وقد تكرر في المدة الأخيرة إلقاء القبض على نساء بتهمة الإرهاب، ينشطن ضمن مجموعات جهادية ويؤمنّ الشبكات اللوجستية والإعلامية. منح التنظيم ثقته للنساء؛ حتى أن امرأة بلغت أحد مواقعه القيادية، وكان للنساء داخله أدوار لافتة ومؤثرة في سياق الأحداث. من بين التونسيات اللواتي انضممن إلى التنظيم الإرهابي فاطمة الزواغي التي ألقي القبض عليها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 وهي طالبة خجولة لم يتجاوز سنّها عشرين سنة، كانت تقود «الجناح الإعلامي» لتنظيم «أنصار الشريعة»، قادت فاطمة الزواغي الجناح الإعلامي للتنظيم باقتدار واستطاعت في وقت وجيز أن تحوز على ثقة أبرز قيادات التنظيم، ثم تولّت القيام بأعمال النشر والدعاية والاستقطاب كلها عبر منصّات التواصل الاجتماعي. في السياق نفسه نذكر الأختين غفران ورحمة الشيخاوي اللتين تبنتا الأفكار المتطرّفة إلى أن انتهى بهما المطاف في سجن معيتيقة بعد أن التحقتا بـ«داعش» في ليبيا. نذكر أيضاً عائشة أو رباب محيمد المولودة سنة 1986 في منطقة سيدي الهاني من محافظة سوسة، وهي التي تعلّقت بأفكار قيادات هذا التيار ومنهم سيف الله بن حسين -أبو عياض- وسيف الدين الرايس وحسن بن بريك، الذين كانوا من «نجوم» التنظيم في بدايته، وهناك معطيات تؤكّد أن رباب محيمد أو «عائشة» كانت تتواصل مع حسن بن بريك من خلال حسابه «الوهمي» على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» باسم “معدنوسة –معدنوسة”. وقد استطاعت «عائشة» أن تغري أحد أعوان الأمن وتوقعه في شراكها ليمدّها بمعلومات أمنية خطرة، وكان لها دورٌ في التخطيط والتنفيذ لعملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رضا شرف الدين. بعيداً من الأدوار القيادية المعلنة، لعب عدد من النساء في صلب الجماعات المتطرّفة في تونس أدواراً مهمة في ما يتعلّق بعمليات الإسناد وتوفير الدعم اللوجستي والمادي؛ كتوفير المؤونة للجماعات المتحصّنة في الجبال والمناطق الوعرة وجمع الأموال وإيصالها إلى جهات بعينها وتهريب الأسلحة ونقلها من مكان إلى مكان. من أخطر العمليات الإرهابية التي شهدتها تونس وتورّطت فيها نساء؛ نجد عملية شباو التي قادتها الإرهابية المسجونة «أسماء البوخاري» يوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 في حيّ الورد في منطقة شباو التابعة لمحافظة منوبة قبيل الانتخابات التشريعية. إذ تحصّنت كتيبة قتالية في أحد المنازل، تتكوّن من خمس نساء وشابين، وبعد محاصرة المنزل من قوات الأمن رفضت أسماء البوخاري مثل البقية تسليم نفسها على الرغم من أنها كانت بصحبة طفليها. وظلت تطلق الرصاص على قوات الأمن إلى نهاية العملية، وفي ذكرى حادثة شباو فجرت منى بن قبلة نفسها في شارع الحبيب بورقيبة.

  • فريسة للاستقطاب

تكشف عملية التفجير أن ما نالته المرأة التونسية من مكاسب لم يستطع أن يحصنها من براثن الإرهاب، حتى إذا كانت تتمتع بمستوى تعليم عال، فما تعانيه كثيرات من فقر وتهميش اقتصادي واجتماعي يجعلهن فريسة سهلة للاستقطاب نحو الفكر الجهادي المتطر. الحادثة الإرهابية الأخيرة تشير بوضوح إلى أن تونس؛ البلد الذي يراهن على دور المرأة منذ استقلاله في بناء الدولة، ويحاول أن يحمي منزلتها بتعزيز ترسانته القانونية، منذ إنشاء مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 التي تضمنت حقوقاً واسعة للمرأة، وعبر رهانه على التوعية والتعليم؛ لم يستطع منع وقوع نساء من المجتمع الحداثي نفسه في فخ التطرف. تدفع الحادثة الإرهابية إلى التساؤل عن الأسباب التي تدفع امرأة تونسية إلى الإقدام على جرائم إرهابية. فالتونسيات يتمتعن بمكاسب تطورت منذ الثورة؛ فقد وسعت الإصلاحات الاجتماعية والتشريعية في البلد وأصبحت المرأة التونسية اليوم، تحظى بموقع أساسي في المجتمع الذي يرتقي بالعلاقات بين الجنسين إلى مستوى المشاركة، فهي متعلمة، متساوية مع الرجل، تتحمل المسؤوليات وتساهم بشكل واضح ومؤثر في الإبداع والابتكار والإنتاج الثقافي. حول هذا الموضوع تقول السيدة بدرة قعلول الأستاذة الجامعيّة ورئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجيّة والعسكريّة في تصريح لموقع مينا: إن الحديث عن المرأة المجاهدة وأدوارها داخل التنظيم أصبح أمراً معلناً باعتبار أن الوصول إليها أسهل ووسائل تجنيدها أقل تكلفة من تجنيد الرجل، وتكمن الخطورة الحقيقية في قدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد مناصرات لها من النساء، أو منفذات لأجندتها. قالت “قعلول” إن للنساء داخل الجماعات الإرهابية أدواراً كثيرة لتعزيز الروح والأفكار المتطرفة وكذلك التجنيد لغيرهن من النساء وحتى للرجال والشباب. ويعتمد دور التجنيد على روابط الأسرة والأصدقاء، وينشط أكثر في المواقع النائية والشعبية عبر الحلقات الدينية في المساجد والجمعيات والمآتم والأماكن التي توجد فيها النساء المهمشات والضعيفات. أضافت بدرة قعلول إنه بحسب دراسة “الانخراط في هذه التنظيمات الإرهابية” فإن “داعش” كونت كتيبة نسائية اسمها كتيبة «الخنساء» التي تقودها التونسية «أم ريان»، جاء ذلك بعد تعرض أفراد من التنظيم لكمائن عدة نفّذها انتحاريون يرتدون زياً شرعيا فشكلت “داعش” كتيبة نسائية لتفتيش النساء كلهن خوفاً من تكرّر هجومات من هذا النوع.

  • جهاديات يحركن الأحداث

من جانبها أكدت القاضية روضة العبيدي رئيس الهيئة التونسية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، لموقع مينا أن المرأة التونسية «ليست محض ضحية للجرائم الإرهابية فحسب، بل هي قيادية وفاعلة في هذه الجرائم بنسب متفاوتة، إنهن يشغلن مناصب قيادية في تنظيم داعش الإرهابي مثلها مثل الرجل. وأضافت العبيدي أن عدد النساء الإرهابيات غير محدد بدقة. وأشارت إلى أن 40 في المئة من المتورطات في الإرهاب ذوات مستوى تعليم جامعي، وأشارت العبيدي إلى أن أسئلة كثيرة تطرح اليوم في تونس والإجابة عنها مرتبطة بعلاقة المرأة بالإرهاب والبحث عن أسباب انخراط المرأة العربية في هذه الظاهرة بخلاف المرأة الغربية. وفي الوقت نفسه أشارت إلى حالات تضخيم لأعداد النساء التونسيات في تنظيم داعش. الإعلامية منية العرفاوي، اشتغلت في كتاب “النساء والإرهاب” الصادر منذ سنة تقريباً، في جزء الكتاب الخاصّ بالتجربة الجهادية النسوية في سياقها التونسي، من خلال تجربة “نساء أنصار الشريعة”، إذ أجرت بحثاً وتقصّياً ميدانياً حول نساء تونسيات تورّطن في عمليات إرهابية محليّة ودولية، بعضهنّ قدن عمليات دامية ومواجهات مباشرة مع قوات الأمن، وبعض آخر بالتخطيط والمدّ اللوجستي، قالت لمينا: إنها بحثت في التأصيل الفكري والأيديولوجي وفي الأسباب النفسية والسوسيولوجية التي دفعت بنساء وفتيات -لم يثِرن يوماً الشبهة أو يلفتن الانتباه- إلى القيام بأعمال دموية تتسم بقدر من الجسارة والإقدام تتناقض في أغلب الأحيان مع صورتهنّ أمام أقرب المقربين إليهنّ. تجربة تبيّن مدى خصوصيتها وتفرّدها في سياقات التجارب الجهادية النسوية في دول مختلفة من العالم، فـ”الجهاديات” التونسيات يحرّكن الأحداث ويدفعن بها إلى الذروة. ختمت العرفاوي بأن عملية شارع بورقيبة اليوم تثبت جزءاً من الخلاصة التي خرجنا بها في كتاب “النساء والإرهاب” التي استقيناها من تجربة ميدانية ولم نبنِ إطلاقاً أي فرضية من باب التنظير الأجوف. هكذا؛ يبقى الوضع المحير قائماً يحتاج إلى حلول واضحة تساعد على إيجاد المخرج من أزمة انجذاب النسوة العربيات إلى إرهاب يصور لهن أنهن ذوات قيمة ومنزلة أكثر مما يمنحهن القانون والمجتمع، فيستولي على طاقاتهن وقدراتهن.

مصدر الصور: وكالات

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.''''''''''''

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى