fbpx

فوضى الإعلام.. المانشيت يكتبه "الهواة".. لكل فصيل إعلامه، ما من جسم واحد للإعلام

“الصحفي مؤرخ اللحظة”.. الكلمة لأبير كامو، ولكن اللحظة الإعلامية الراهنة، تجاوزت “الوقت”، بمعايير ما قبل ثورة الاتصالات.. حدث ذلك..  وربما يكون النموذج الأكثر تعبيراً :”وقائع الإعلام ما بعد االانتفاضة في سوريا”، مع ملاحظة ان الإعلام في هكذا حال، تجاوز : الصحيفة ، المحطة، وكالة النباء”، وبات مشاعاً لكل من يعرف كيف يضغط بإصبع من أصابعه على لوحة “الكيبورد”.

  • بين إعلامين.. الهواة يكتبون “المانشيت”.

مع بداية الانتفاضة السورية اخذ الاعلام منحيين متضادين الاول مثل اعلام الحكومة الرسمي وبدء يعكس رؤيا الحكومة و توجهاتها، في الجهة المقابلة بدأ يظهر اعلام مضاد وهو اعلام المعارضة الذي ساهم الى حد كبير في نشر فكر المعارضة وتوجهاته . الا ان هذا الاعلام لم يكن احترافيا مطلقا وكان يتمثل ببعض الناشطين غير المحترفين و حتى بعض المواطنين على اختلاف مستوياتهم الثقافي .. مع تطور وتسارع الاحداث في سوريا انتشرت فوضى الناشطين بشكل متسع،  ومع خروج اغلب الكوادر الاعلامية من مناطق سيطرة المعارضة الى دول اللجوء وانعدام شبه كامل للكوادر الاعلامية،  اصبح من الوارد جدا ان ترى ناشطا اعلاميا لا يتجاوز تحصيله العلمي شهادة التعليم الاساسي او من الممكن جدا ان ترى شبكة اخبار ممثلة بفريق على تلغرام او واتس اب, العديد من هذه الغروبات يديرها اشخاص متواضعو المهنية او الخبرة، ما جعل الإعلام،  مرتعا للتطرف والدعشنة، او مسرحا يستغله عملاء النظام للتجسس وسرقة المعلومات تارة او بث الاخبار الكاذبة تارة اخرى. بالإضافة الى الناشطين و “الغروبات” ظهر وبشكل متسع ما يدعى بـ “المرصد”  وهم افراد يعملون على نقل الاخبار و تداولها عبر اجهزة لا سلكية فيما بينهم، كما يقومون بالعمل على مراقبة حركة الطيران والقصف، وامور اعلامية اخرى .. كل تلك الفوضى دعت للدعوات إلى تشكيل جسم إعلامي يوحد ويهذب الجهود الاعلامية، الا ان كل الاجسام التي تشكلت لم تتمكن من ذلك حتى اليوم . فـ :كيف بدئت الحكاية؟ في بداية الاحداث ومع انعدام وجود اي صحافة مستقلة في  سوريا جراء سياسات النظام التي كانت تهدف الى التضييق على الحريات والصحافة، ومع ضرورة نقل ما يجري من جرائم بحق المتظاهرين السلميين، كان لابد للبعض من نقل هذه الصور حتى بدون اي حرفية. “محمد شحود”، ناشط اعلامي في جنوب ادلب ويعمل مع أحد الفصائل،  كان من اول من عمل على نقل صور المظاهرات و انتهاكات النظام، يقول عن انطلاقة النشاط الاعلامي:” بالتأكيد لم يكن بيننا اعلاميون او صحفيون محترفون الا ما ندر لذلك كنا نوثق بطريقة بدائية جدا ونحاول ان ننشرها على اي وسيلة متاحة لنا عبر القنوات او الصفحات او غيرها “. ويضيف مضر ابو مصطفى ناشط اعلامي يعمل في ريف ادلب “كانت عملية نقل الصور تتم بطريقة جدا بدائية دون اي منهجية متبعة كان من الممكن ان يحمل اي شخص كمرا جواله ليوثق ما يجري حوله لقد فعلنا ذلك مرارا كنا نريد ان يصل صوتنا باية طريقة “. محمد شحود يؤكد على ان هذه الطريقة لم تكن طبعا الافضل لنقل صورة ما يجري من وقائع وأحداث، لكنه يقول :”لم يكن  لدينا اية وسيلة اخرى متاحة بسبب عدم وجود صحافة مستقلة اصلا في سوريا”. ابو مصطفى ايضا يرى ان العملية التي كانت تجري لم تكن صحيحة، خاصة ان العديد من معدومي المهنية او الثقافة، انساقوا وراء العمل كناشط او اعلامي، وهذا ما انعكس سلبا على مستوى إعلام الانتفاضة، وطريقة نقله واضاف ايضا : “يوميا كان يخرج البعض على القنوات الاقليمية والعالمية وكنت تسمع بالناشط ابو عمشة و ابو البراء وغيرهم وبالكاد يستطيعون تحدث العربية او التعبير بصورة ولو مقبولة عما يجري”. هجرة الإعلاميين: اهم أوجاع الاعلام في مناطق المعارضة، ندرة الكوادر الاعلامية حيث لا يزيد خريجي الاعلام في تلك المناطق على عدد اصابع اليد.. ابو عمر كلاسي ناشط اعلامي في ريف حلب الغربي، أحال سبب ندرة الكوادر من الصحفيين إلى: ” ان المنطقة بالأساس فقيرة بخريجي كليات الصحافة والاعلام”، ويضيف:”مهنة الصحافة نفسها لم تكن محببة لسكان هذه المناطق.. الصحافة بالنسبة للسكان تعني إعلام الحكومة، يعني إعلام التضليل والكذب على الناس”. الناشط محمد شحود ايضا، ايد وجهة النظر تلك واكد ان عدم رغبة الجامعيين دراسة هذا الاختصاص تعود  حصر عمل الخريجيين بمؤسسات النظام . واما السبب الثاني لندرة وجود الكوادر الاعلامية فيعود من وجهة نظر الناشط مضر ابو مصطفى، إلى تعويم المعتدين على المهنة،  حيث اضحت تلك المهنة حسب وصفه “عمل من لا عمل له” . ابو عمر كلاسي ايضا يرى ان كثرة العاملين في هذا المجال ونيل بعض عديمي المعرفة والخبرة مراكز اعلامية حساسة، ازعج الكوادر الاعلامية المهمة وجعل مجال عملهم مرتعا للعديد ممن حصلوا على فرص جيدة،   لذلك هاجر الخريجون واصحاب الخبرات بحثا عن فرص افضل في الخارج..  اليوم لا نرى في المناطق المحررة الا القليل من الصحفيين الاحترافيين. لكنه أيضا اكد أن العديد من الصحفيين الذين كانوا خارج البلاد قد عادوا مع انطلاق الانتفاضة وشاركوا فيها وبقوة، وكان منهم الناشط همام نجار الذي عاد من الامارات العربية المتحدة وعمل طويلا في مجال الاعلام ليلقى حتفه على يد داعش شمال حلب . بالطبع العديد ممن المثقفين الذين عملوا في مجال الاعلام مع بداية الانتفاضة حصلوا على خبرات جيدة واتبعوا العديد من الدورات التي جعلت عملهم اكثر مهنية وانضباطا وهذا ما يتفق عليه الجميع ومع ذلك لازال الكثيرون من غير المختصين او المتدربين يزاولون المهنة .

  • صحفي بشهادة تعليم اساسي

ان مما وصلت اليه الحالة السيئة للإعلام في مناطق سيطرة المعارضة شمال سوريا ،يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المسؤولة عن الوضع هناك لضبط الانفلات الاعلامي، حسب تعبير الناشط محمد شحود  الذي اكد ايضا ان بعض  ممن يقومون بممارسة نشاطات اعلامية لا يمتلكون الا شهادات التعليم الاساسي وهذا احد ابرز اسباب انخفاض المستوى وقيمة المادة الاعلامية . بحثا عن هؤلاء الاشخاص الذين يعملون في الاعلام بدون اي شهادات تحدثنا مع ع.ص  وهو احد العاملين في احدى الشبكات الاعلامية العربية الضخمة في ريفي حلب وادلب. ع.ص قال لنا ” انا لم اكمل دراستي ولم احصل على شهادات عليا لكنني كنت سباقا للعمل في هذا المجال واضاف: لما بدأت العمل في هذا المجال قضيت العديد من الايام هاربا من الملاحقة الامنية لقوات النظام.. في تلك الايام كان اصحاب الشهادات لايزالون خارج الخط الثوري”. ابو مصطفى ايضا يرى ان سبب دخول غير المختصين في مجال الاعلام هو عدم اهتمام المختصين في بداية، الامر لكنه يرى انه لابد للعامل في هذا المجال ان يكون خريجا جامعيا على الاقل . لكن ع.ص يرى انه امر عادي جدا ان يعمل في هذا المجال شخص حصل على التعليم الاساسي فقط ، فالعمل يكسب العديد من الخبرات ولا داع للدراسة حيث قال لنا” اعمل منذ خمس سنوات او اكثر في مجال الاعلام لقد مررت بالعديد من التجارب وحصلت على كثير من الخبرات و اتعبت العديد من الدورات الدراسة لا تعني كل شيء الامر هنا يتعلق بمدى اتقانك للمهنة”. – مرصد و متمرصد لا يمكن لأي احد مقيم في ادلب او حتى مر بها في زمن الانتفاضة، الا ان يكون قد سمع اصواتا لا تهدأ من اشخاص منتشرين عبر المنطقة ,انهم “المراصد” حسب التسمية المحلية، وهؤلاء  ينشرون الاخبار تارة ويحذرون من القصف تارة اخرى، و يرسلون التعميمات يمينا وشمالا عبر اثير اللاسلكيات المنتشرة بين أيدي السكان . لنتعرف اكثر عن موضوع المراصد يقول  ابو سطيف خطاب ويعرف نفسه بأنه ” اكثر المراصد شهرة في المنطقة “: ” تعمل جميع المراصد بنفس الالية، فهناك المراصد الحربية وغالبا ما تكون مرتبطة بعمل الفصائل حيث تقوم بمراقبة اللاسلكيات لدى قوات النظام بالوسائل المتاحة كما يقوم القائمين على تلك المراصد ببث تعميمات خاصة بفصيلهم عبر القبضات اللاسلكية او عبر وسائل التواصل، واما النوع الثاني من المراصد فهم المراصد المدنية والتي تعمل على بث تعميمات للسكان تتعلق بالتحذير من القصف وطلب وتوجيه فرق الاسعاف والدفاع المدني ومحاولة تامين اتصال بين المتضررين وفرق المساعدة، و النوع الاخير من المراصد هم المراصد المشتركة والتي تعمل كمراصد مدنية وعسكرية معا أي انها على ارتباط مع فصائل لكنها ايضا تقوم بتامين خدمات اخرى للمدنيين “. سألنا الناشط ابو مصطفى عن رأيه في عمل تلك المراصد فقال “ان فكرة عمل المرصد فكرة جبارة فهي تقوم على التحذير من غارات الطيران وتساعد في انقاذ المتضررين وتوجيه فرق الانقاذ ولكن كل تلك الخدمات تعد ايجابية  لكن مؤخرا وصلنا لمرحلة اصبح عمل بعض المراصد وبالا على الانتفاضة فهم يعملون عبر انظمة اتصال لاسلكي سهلة الاختراق من قبل النظام وعلى المرصد ان يكون حذرا ودقيقا في ما يتحدث حتى لا ينقلب النفع الى ضرر كبير “. ابو سطيف خطاب أكد وجهة نظر ابو مصطفى وقال ان لم يكن المرصد دقيقا في ما ينقله وحذرا في ما يقوله، قد يكشف معلومات خطيرة ويقدمها مجانا للعدو، واضاف ايضا هذا موجود لقد ظهر مؤخرا البعض ممن يدعون انفسهم بمراصد اما نحن كعاملين في هذا المجال نسميهم متمرصدين حيث ان هؤلاء المتمرصدين في غالب الاحيان يكونون عديمي خبرة وينقلون الاخبار الكاذبة بحثا عن الشهرة كما انهم يقعون بأخطاء كبيرة اثناء تحدثهم عبر اللاسلكيات ومن الممكن انهم يسربون المعلومات بقصد او بدون قصد لقوات النظام “. الناشط محمد شحود يقول اظن ان بعض المتمرصدين قد يكونون مدسوسين من قبل النظام لسرقة المعلومات وبثها له او من اجل نقل اخبار كاذبة ومحاولة خلق التفرقة والتحريض ضد الثوار. ابو سطيف خطابي اضاف يجب انهاء عمل المتمرصدين  لانهم خطر على العمل في الرصد والإعلام واتوقع انهم يعملون لصالح العدو نعم لان عملهم فردي ولا يتقبلون النصح من ذوي الخبرات لذلك اشك دوما في امرهم . -غروبات وسائل التواصل وكالات انباء  بإدارة نويشطين ان اكثر ما يثير العجب  لدى العديد من متابعي الاعلام في مناطق سيطرة المعارضة، هي تلك الغروبات والمجموعات التي نشأت وبآلاف على انها شبكات اخبارية او وكالات انباء حتى . احمد القاسم مدير احدى تلك الشبكات يقول حول مدى جدوى عمله ونوعيته :” لست وحيدا ممن يمتلك مثل تلك الغروبات و الصفحات.. هنالك من الصفحات، منها شبكات التواصل الاجتماعي.. انا ادير شبكة ادلب الحدث واساعد في نشر الاخبار “. لكن ما يراه احمد القاسم لا ينطبق ابدا مع ما يعتقده  ابو عمر كلاسي، فأبو عمر يعتبر تلك الشبكات سببا جوهريا في تدني مستوى المصداقية الاعلامية في مناطق سيطرة المعارضة، حتى انه يرى في تلك الشبكات ومديريها خرقا امنيا خطيرا ناجما عن غباء وقلة خبرة . الناشط ابو مصطفى اكد ايضا ان تلك الشبكات خرق امني كبير، فبرأيه ان العديد من مديري تلك الشبكات لا يمتلكون خبرات امنية او صحفية ، فمن الممكن ان يكون ضمن غروب الوتس اب مثلا ارقام لأشخاص غير معروفين .. ممكن ان يكونوا  دواعش او مخابرات للنظام . وهذا ما اكده الناشط محمد شحود  حيث روى قصة اختراق حاسوبه الشخصي، وقال ان ذلك بدأ من خلال غروب شبكة اخبار  تمت اضافته اليه واكتشف لاحقا ان فيه اشخاصا يعملون مع الجيش السوري الالكتروني، واستطاعوا الحصول على رقمه ومعلومات عنه من خلال الغروب ومن ثم قاموا باختراق حاسوبه وسرقة بعض المعلومات منه . لكن كل ما رواه الناشطون حول عدم جدوى تلك الشبكات وضررها لم يرق ابدا لأحمد القاسم مدير شبكة “ادلب الحدث” الذي قال أن لهذه  الشبكات، فضل كبير بنقل الاخبار، والناس يثقون بها بشكل جيد ولو لم يكن ذلك صحيحا لما حصلت شبكتي على 30 الف متابع مثلا .

  • اجسام مشتتة  لتجميع المشتت

من بين تلك الفوضى الاعلامية والشتات بين الناشطين والمراصد و المتمرصدين، تكررت المحاولات من العديد لتجميع وتوحيد الجهود الاعلامية في ادلب وماحولها، وبالرغم من وجود العديد من المحاولات الجادة، الا انها جميعها لاتزال قاصرة عن المستوى المطلوب. يرى أبو عمر كلاسي أن اسبابا عديدة ادت الى استمرار الفوضى الاعلامية وعدم وجود جسم جامع للإعلاميين، ففي  نظره ، فإن الاعلام مثله مثل العسكر والسياسة والاقتصاد وغيرها، فجميع تلك المجالات غير موحدة لدى المعارضة، وبالتالي  فالحكومة حكومتان، والعسكرة تحوي العديد من الفصائل والتيارات، وكذلك الاعلام،  فإعلام الفصائل مرتبط بسياساتها، واعلام الوكالات والقنوات مرتبط بسياسات وشروط كل وكالة او قناة . يضيف ابو عمر كلاسي انه “بالرغم من كل تلك العقبات الا ان العديد من المشاريع قامت لتوحيد الجهود  الاعلامية .. في حلب مثلا تم تشكيل اتحاد اعلاميي حلب  الذي باء بالفشل بسبب ظروف عديدة ومن جديد تم تشكل جسم تحت مسمى اتحاد اعلاميي حلب وريفها وانا عضو فيه والاتحاد لازال مستمرا رغم العديد من العقبات وقد قام بتوقيع العديد من مذكرات التفاهم مع مؤسسات اخرى من اجل تثبيت قواعده كما انه  نظم الاعلاميين  ونشاطاتهم بشكل نسبي من خلال انشاء قاعدة بيانات لهم” . بالنسبة لإدلب  كانت اخر محاولة لتوحيد الاعلاميين منذ سنة،  حيث دعت بعض الجهات المرتبطة  بحكومة الانقاذ  لانشاء جسم إعلامي جامع، الا ان تلك الدعوات لم تلق الا القليل من الاقبال وذلك بسبب ارتباط الدعوات بحكومة الانقاذ”. بالنهاية اذا ما اردنا احصاء عدد العاملين في هذا المجال لوجدنا عشرات الالاف من العاملين على اختلاف ثقافتهم وانتمائهم السياسي او العسكري هذا ما جعل توحيد الجهود الاعلامية في تلك المناطق امرا شبه مستحيل خاصة بعد ان جرت العديد من التجارب غير الناجحة. خاص- مينا هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى