fbpx

كيف توغلت إيران في (سوريا الأسد)؟ حتمية التمسّك أو السقوط

الكاتب: أحمد طلب الناصر منذ اللحظة التي اغتصب فيها الأسد الابن السلطة في سوريا عام 2000، بدأت خريطة سيطرة نظام الولي الفقيه على سوريا ترتسم بالشكل الذي نراه اليوم. ولكي يهيمن نظام إيران على مقدرات البلاد والعباد في الجغرافية السورية، كان لا بد له من إيجاد حاضنة شعبية في المستويين الاجتماعي والسياسي، فابتدع انتصاراً وهمياً يشابه انتصار حافظ الأسد في حرب تشرين التي صدّر من خلالها للسوريين وهم الممانعة والمقاومة. فكان “تحرير” جنوب لبنان عام 2000 وخروج الجيش الإسرائيلي منه حصان طروادة الذي أدخل حزب الله، ذراع إيران في لبنان، إلى الساحة السورية على أنه صاحب النصر “الإلهي” على الإسرائيليين وطارِدهم من الأراضي المحتلة. حصل ذلك “النصر” يوم 25 أيار/ مايو 2000 أي قبل موت حافظ الأسد وتوريث بشار السلطة في سوريا بأسبوعين، وكأن هذا المخطط كان جاهزاً، ولربما كان حافظ كان قد توفي قبل إعلان وفاته بأكثر من أسبوعين المذكورين، ومن يدري. حقيقة، كان يُسجَّل لحافظ الأسد نقطة واحدة لمصلحته، وهي عدم السماح لإيران أو جماعتها من حزب الله وغيره بالتدخل في الشؤون السورية الداخلية على الرغم من تحالفه المقدّس معهما، وذلك، ربما، لإدراكه تماماً مدى خطورة تدخّل إيران المباشر في البلد، على طائفته بالدرجة الأولى قبل التفكّر بخطورتها على باقي المكونات السورية، وأيضاً للمحافظة على علاقاته الحساسة مع دول الخليج والدول العربية الأخرى المعادية لإيران منذ حرب الخليج الأولى. وقد استثمر حزب الله من دون غيره من أحزاب وتكتلات لبنان هذا الانسحاب من الجنوب على اعتبار أنه صاحب الجنوب اللبناني من دون منازع، وكذلك ساندته وسائل الإعلام اللبنانية والسورية، بل حتى الإسرائيلية. وهنا، نال الحزب وسيده “حسن نصر الله” شعبية واسعة في الأوساط السياسية والاجتماعية في سوريا، فغدا “قلعة الصمود والتصدي” و”قلب العروبة النابض”، وبدأت تترافق صور حسن نصر الله شيئاً فشيئاً مع بشار الأسد حتى ضمن القطع والتشكيلات العسكرية. كما شهدتْ الكليات والمدارس العسكرية السورية معظمها إقبال كثيرين من ضباط الحزب، التابعين للجيش اللبناني بالاسم، لإقامة الدورات وتبادل الخبرات العسكرية. التوغّل والتمدد الإيراني في المجتمع السوري بعد أقلّ من خمس سنوات على التوغل السياسي والعسكري لحزب الله، تتالت الأحداث بتسارع ملحوظ لتأتي عملية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني “رفيق الحريري” عام 2005 وما تبعها من إخراج الجيش السوري من لبنان، ثم حرب تموز/ يوليو في السنة اللاحقة. تلك الحرب التي فتحت الباب على مصراعيه للنفوذ الإيراني، المتمثل في حزب الله، في المجتمع السوري، إذ فتح السوريون في المدن جميعها –من دون استثناء- منازلهم ومحالهم ومخازنهم ومؤسساتهم أمام اللاجئين من أتباع الحزب وعائلاتهم خوفاً عليهم من بطش القصف الإسرائيلي الذي طال بعض قراهم المتناثرة في لبنان والضاحية الجنوبية في بيروت، ظنّاً منهم –السوريين- بأن الحزب وعائلاته مستهدفون بصفتهم رمزاً للمقاومة والممانعة، من دون الانتباه إلى تبعات ذلك النزوح في المدى المنظور. فأصدر بشار في تلك الأثناء قراراً سمح بموجبه شراء اللبنانيين وتملّكهم العقارات السورية من دون قيود أو شروط، وظل هذا القرار سارياً حتى يومنا هذا. وبالعودة إلى عام 2003 وعقب الغزو الأمريكي للعراق، يذكر السوريون معظمهم كيف سُمح أيضاً للعراقيين بشراء العقارات السورية واستملاكها، فكان أغلب المالكين من أبناء الطائفة “الشيعية” من دون التنبّه إلى ذلك. ففي دمشق مثلاً قامت محاولات حثيثة لشراء أماكن سياحية وتجارية مشهورة في مستوى العاصمة السورية وأغري مالكوها بمبالغ تعدّت نصف المليار من الليرات السورية للعقار الواحد (10 مليون دولار في ذلك الوقت)، ومنها ما بيع ومنها ما لم يقبل أصحابها البيع. وسرت شائعات في تلك الأيام حول شراء مقهى “الروضة” الشهير في شارع “العابد” في وسط دمشق، ومحل “بكداش” لبيع البوظة في سوق الحميدية بأسعار وصلت إلى 900 مليون ليرة سورية. وبعيداً من تلك الصفقات المخفية نأتي الآن إلى الاتفاقيات التجارية والصناعية بين حكومة النظام وإيران. السيطرة الإيرانية على الاقتصاد السوري بالتزامن مع “الانفتاح” الاقتصادي الذي أعلنه بشار الأسد، ليُمكّن خلاله أقاربه من بيت مخلوف وشاليش التحكّم بميزانية البلد، سمح باستيراد أنواع السيارات كلها وفتح صالات بيع عدة لها، ثم خفْض نسبة جماركها لتصبح أقل من 100 في المئة، إذ كانت 300 في المئة في زمن أبيه. فأغرق الشارع السوري بسيارات الـ “السابا” أو “السايبا” إيرانية المصدر، نتيجة رخصها بالنسبة إلى غيرها. ولتسهيل الحصول عليها، سمح للموظّف السوري بسحب قرض من (البنك) للتمكّن من شرائها، ليقوم الأخير بتشغيلها واستثمارها بوصفها سيارة “تاكسي” للعموم. هذه الخطوة كانت كفيلة بربط المواطن السوري طوال خدمته الوظيفية بأقساط البنك، ما جعل أكثر من نصف الموظفين مُدانين مزمنين، لا سيما أن صاحب القرض كان يحتاج إلى كفيلين اثنين من الموظفين لإتمام صفقة القرض. لذا، فإن القيمة العليا من أقساط تلك السيارات تصب في الخزينة الإيرانية. والأخطر من خطة تلك السيارات الإيرانية، كانت اتفاقية تصنيع سيارات “شام” وتجميعها بتعاون إيراني- سوري، وإنشاء معمل تصنيعها في مدينة “عدرا” بريف دمشق. وتزامن طرح أول دفعة لسيارات “شام” مع فتح باب القروض لشرائها بما يغطي نحو 60 في المئة من كامل قيمتها إضافة إلى توزيعها بشكل شبه كامل على دوائر الدولة المختلفة، ليركبها المديرون ونوابهم ورؤساء الأقسام كونها تُعتبر صناعة “وطنية خالصة”، على الرغم من أن سعرها يقارب سعر السيارات الكورية والصينية، وبعض السيارات الأوروبية قديمة الطراز، ومصروف وقودها مرتفع جداً مقارنة بالسيارات الأخرى. أما ما يتعلّق بالمدن الصناعية الكبرى التي دأبت حكومة النظام على إنشائها، وبخاصة مدينة “حسيا” الصناعية التابعة لمحافظة حمص التي كان من المقرر أن تحتل المواد والقطع والصناعات الإيرانية النسبة العظمى فيها، فقد وصل الاستكتاب على شراء أمتار موقعها إلى نصف مليون ليرة للمتر الواحد (10 آلاف دولار في ذلك الوقت)، وهذا على المخطط وقبل وضع حجرة واحدة. السيطرة على العقارات السورية منذ ما يقارب خمسة أعوام تقريباً سادت حركة نقل العقارات وبيعها داخل المدن التي يحكم عليها النظام قبضته الأمنية، وبخاصة تلك التي تقطنها نسبة من طائفته (العلوية)، إذ تجري عمليات البيع ونقل الملكية بطرائق الترهيب والترغيب من أصحابها الأصليين (السنّة) إلى المشترين، وغالباً ما يكونون علويين وشيعة سوريين، أو شيعة لبنانيين وعراقيين، وجميعهم مدعومون من إيران. ونخص بذلك أحياء مدينة حمص القديمة التي استولى عليها النظام بشكل كامل بعد حصارها وتجويع أهلها ومن ثم إخراجهم منها في إثر الاتفاق الذي جرى بين النظام السوري والأمم المتحدة، وقضى بإخراج من تبقى بداخلها من مدنيين، وعناصر الجيش الحر بعد تسليم أسلحتهم وترحيلهم إلى الريف الشمالي للمدينة. هذا إضافة إلى الأحياء المحيطة بالمدينة القديمة التي دُمرت بالكامل تقريباً مثل “بابا عمرو” و”البياضة” و”الخالدية” و”الغوطة” وأجزاء واسعة من “الوعر”، وكذلك الأمر ضمن الأحياء التي كان يتشاركها أبناء الطائفتين السنية والعلوية كـ “الإنشاءات” و”عكرمة” و”وادي الذهب” و”الزهراء” وغيرها. وتجري عمليات البيع والشراء إما بشكل مباشر، في حال كان صاحب العقار موجوداً في مناطق النظام، أو من خلال محامين وسماسرة مختصين بهذه المسألة إن كان صاحب العقار نازحاً أو مهاجراً أو هارباً ومطلوباً من النظام. في الحالات كلها فإن أحياء حمص “المعارِضة” قد خلت من سكانها، ومن ثم هي عرضة للاستيطان شاء أهلها أم أبوا، ولكن مخطط تفريغ العقارات بالشكل الرسمي المكتوب والمسجّل قانونياً يضمن ملكيتها مستقبلاً في حال مطالبة أصحابها بها، وهذا ما يرنو إليه نظام الأسد لإضفاء شرعيته وشرعية “طائفته” في امتلاك المدينة، ومن بعدها “الإقليم” المرسوم في خريطة تقسيم سوريا “السياطائفية”. وليست مدينة حمص هي الوحيدة التي تشهد هذا النشاط، بل تخطتها إلى أحياء حلب والعاصمة دمشق. ففي حلب شهدت في البداية الأحياء المحاذية لمناطق النزاع بين نظام الأسد والمعارضة، والتابعة لسيطرة الأول، حركة بيوع العقارات وبعض المصانع والمعامل أيضاً لأطراف مؤيدة ومرتبطة بالنظام من أبناء الطائفة السنية أو الأرمن وغيرهم. الشيء الذي أدّى إلى انتقال النشاطين الصناعي والتجاري للحلبيين وظهوره جلياً على الأراضي التركية أو في مصر، وهكذا الحال أيضاً لبعض الدمشقيين من أصحاب رؤوس الأموال الذين صفّوا مصالحهم كلها في دمشق وباعوا أملاكهم وانتقلوا بأعمالهم إلى دول الجوار كلبنان وتركيا. وبعيداً من أصحاب رؤوس الأموال، نأتي الآن على ذكر المواطنين الدمشقيين سكّان الأحياء القديمة الممتدة بين أبواب دمشق السبعة وبخاصة أحياء “القشلة” و”الشاغور” و”الأمين”، والحارات المحيطة بالجامع الأموي كلها. إذ يقوم النظام بالضغط على المواطنين ومضايقتهم بعدد من الوسائل والأساليب، من بينها طلب التطوع منهم ضمن ما يسمى “جيش الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية” أو ملاحقتهم للخدمة في صفوف احتياط جيش النظام السوري، ما دفع عدداً من العائلات، وبعلم النظام وتسهيلاته، إلى بيع منازلهم وممتلكاتهم إلى بعض الأسر الشيعية الدمشقية أو الإيرانية التي منحها النظام السوري هويات سورية في المرحلة الأخيرة استعداداً لتوطينهم. ترافق ذلك كله مع النشاط المسعور للطقوس الشعائرية الشيعية داخل تلك الأحياء في مناسباتهم (اللطمية) معظمها، وقد بث عدد من القنوات والمواقع العنكبوتية مشاهد عدة لتلك الطقوس الغريبة على الدمشقيين بشكل خاص والسوريين عموماً، ولم يُستثن الجامع الأموي وباحته من ممارستها، وسوق الحميدية الذي أنشأه العثمانيون في قلب دمشق. أما في دير الزور، المدينة التي سيطر النظام عليها مؤخراً، فقد تسلّم زمام انتقال العقارات من ذويها إلى المُلّاك الإيرانيين الجدد، فئة جديدة من تجّار العقارات، وأغلبهم من أبناء الريف الديري. إذ يجري التواصل مع “بعض” المحامين الموجودين في المدينة لإقناع معارفهم ممّن هاجروا خارجها لتوكيلهم بقضية بيع منازلهم مقابل نسبة معينة بدل أرباح. فراح عدد من أصحاب العقارات يبيعونها، لا سيما بعد فقدان الأمل بعودتهم إليها. السيطرة على التعليم والثقافة الدينية افتتح في العاصمة السورية دمشق عدد من الحسينيات والحلقات الدعوية الشيعية التي تستغل أطفال الأحياء الدمشقية لتعليمهم مبادئ التشيّع وإلحاقهم بمدارس ومعاهد خاصة، أنشأت خصيصاً لهذه الغاية بموافقة وزارة أوقاف النظام وإفتائه ورئيسه الذي أصدر مرسوماً في 28/9/2014 يقضي بموجبه افتتاح مدرسة “شرعية شيعية” للذكور والإناث لتدريس المذهب الجعفري الذي لا يختلف عن الإثني عشري إلا بالتسمية الاعتبارية، إن صح التعبير، ورئيس النظام طالب المسؤولين والمديرين كافة في المؤسسات التعليمية بالبدء بتعليم الطلبة المذهب الشيعي في المدارس. تلك الخطوات الممنهجة كلها لمحاولات صبغ المجتمع السوري الخاضع حالياً لسيطرة النظام، سبقها، وقبل اندلاع الثورة بأكثر من خمس سنوات، تدريس اللغة الفارسية في الجامعات السورية باعتبارها إحدى اللغات المهمة والمنتشرة في العالم الحديث. السيطرة على جيش النظام في المناطق الخاضعة أما من الناحية العسكرية، فقد بدأت الميليشيات الإيرانية، منذ اللحظة الأولى لوجودها، تحل شيئاً فشيئاً مكان جيش النظام في مواقعه معظمها الخارجة على سيطرة الثوار، أهل الأرض. وقد بدأت تلك الميليشيات بالفعل، تنفيذ المجازر والمذابح الفردية والجماعية بحق السوريين في المناطق التي استولوا عليها معظمها، لا سيما في أحياء دمشق ومناطقها الجنوبية المحيطة بمقام السيدة زينب، وفي النبك والقلمون، أو في قرى ريف حلب وبلداته. وكان يظهر، يومياً، أحد مسؤولي إيران على الإعلام ليعلن أنهم أرسلوا أو سيرسلون آلافاً إلى الأراضي السورية للدفاع عن النظام بحجة حماية العتبات المقدسة. هذا كله إضافة إلى عشرات القرى النائية في المحافظات السورية التي استغلت إيران فقر أهلها ودفعت لهم الزهيد من النقود ليقيموا فيها الحسينيات ويوزعوا عليهم كُتيّبات صغيرة تشحنهم بقصص مقتل الحسين على أيدي “السنّة”، المقصود بهم من قاموا بالثورة لاحقاً على نظام الأسد. وتلك القرى الفقيرة، والمنتشرة في جهات سوريا الأربع، جُيِّش أبناؤها منذ الأيام الأولى لقيام الثورة ليشاركوا جيش النظام في قمع الشعب السوري وقتله. ختاماً إن تمسّك إيران اليوم بسيطرتها على سوريا، لا يتعلّق ببشار الأسد بقدر ما يتعلّق بخسارتها في حال انهيار نظامه. وعلى الرغم من التصعيد الإسرائيلي على مناطق تموضع الميليشيات الإيرانية في سوريا، إلا أن الإيرانيين يعرفون تماماً حجم الأموال التي أغدقوها خلال 18 عاماً للسيطرة على سوريا. عدا المرتّبات التي ما تزال تُدفع حتى اللحظة لعناصر ميليشياتها الممتدة من البصرة إلى الضاحية الجنوبية. ومن ثم فإن انهيارها مرهون بانهيار نظام الأسد، وهذا ما يدفعها إلى الدفاع عنه حتى الرمق الأخير، ولو على حساب الشعب الإيراني نفسه. والنظام الإيراني اليوم يفهم مصيره جيداً من خلال حلّين اثنين لا ثالث لهما الأول: إن خضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية وانسحب من سوريا، فسيكون مهزوماً في نظر شعبه الذي لن يرحمه. الثاني: إن بقي يُكابر على خساراته الدائمة في سوريا نتيجة الضربات المتلاحقة، فسيصل إلى مرحلة السقوط الإرادي في المستقبل القريب وفي الحالتين كلتيهما، سيُحصر في زاوية لن يُحسد عليها. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى