fbpx

لعنة “طهران”

مرصد مينا

لم يسبق أن قُدمت خدمة لإسرائيل تساوي ضرب المفاعل النووي العراقي في تموز ١٩٧٩، وكانت الخدمة بشقين، أولهما أن قام الطيران الاستطلاعي الإيراني بتصوير موقع المفاعل وتفاصيله، وهو ما عجزت عنه إسرائيل بسبب المخاطر الذي ستتسبب به المسافة من تل أبيب إلى بغداد، وكانت الثانية ضرب القاعدة الجوية العراقية المحاذية لموقع المفاعل المخصصة لحمايته بالسلاح الجوي الإيراني وبأوامر من الخميني، ومن بعدها أخذ الطيران الإسرائيلي طريقه إلى المفاعل، ما بعد تجهيزه بالمعلومات الضرورية، فكان تدمير المفاعل واحدة من الخطوات التي انتهت بعد عقدين إلى تدمير العراق.

إسرائيل بدورها ردّت الجميل فكانت “إيران غيت”، وهي صفقة السلاح التي أمدت بها الخميني، وأيضاً في حرب إيران على العراق.

وهكذا كان تبادل المنافع ما بين شريكين في تدمير المنطقة وحتماً بدءاً من تدمير العراق، واليوم ها هم الملالي يتعهدون “الطريق إلى القدس”، وعلى الطريق، وبه، وفيه، تدمير غزة وقد أطلقت طهران يد “حماس” في غزة، لتتركها وحيدة بمواجهة آلة حربية إسرائيلية مدمّرة وتحت عنوان “وحدة الساحات”.

وحدة الساحات عنت فيما عنته، لا تدمير “حماس” بل تدمير كل ما يتصل بمنظمة التحرير الفلسطينية انتهاء من تهميش السلطة الفلسطينية وقد بات على رأسها متسوّل فاسد يدعى أبو مازن، وبدءاً بإطلاق أحمد ياسين على كرسيه المدولب ليتحوّل إلى جرافة لاجتثاث فلسطين كل فلسطين، ابتداء بياسر عرفات وليس انتهاء بالفلسطيني الطيب جورج حبش وجبهته الشعبية، حتى باتت فلسطين “مقاولة” متعهدها فصيل يعرف كيف يبدأ ولا يحسب لنهاية الطريق، وهاهي غزة مدمّرة على رؤوس ساكنيها، طريقها مفتوح إلى واحد من احتمالين:

ـ مخيم في سيناء.

أو ربما، وهذا أمر بالغ التعقيد :

ـ كلام عن حلّ الدولتين.

الأول وهو الاحتمال المرجح لا يعني سوى ولادة لنكبة جديدة تستعيد نكبة ١٩٤٨، والثاني كان الطريق مفتوح لياسر عرفات لإنجازه دون كل هذه الاثمان، فلم يكن عرفات قليل الخبرة يوم رفع غصن الزيتون، مقابل إسحاق رابين رجل إسرائيل الذي اعتقد ذات يوم بأنه سيتحوّل عن التوراة إلى صانع سلام فدفع ثمن التحوّل حياته،  تماماً كما دفع عرفات حياته يوم اطلق صرخة السلام.

في الحالتين كان الرابح هو :

ـ التطرف اليهودي الذي لا يعني سوى استنهاض المسيح المخلّص الذي لا يأتي سوى على وقائع الخراب، يقابله التطرف الإسلامي  وبدوره لا يأتي سوى على وقائع الخراب، ولو لم يكن الامر كذلك لما انتظرت “قم” المهدي المنتظر، فكان زواج التطرف بالتطرف، وكانت النتيجة استبعاد كل ما يمكن أن يخطوه هذا الشرق نحو سلام، يخرج إسرائيل من الثكنة إلى الدولة، وينقذ العالم الإسلامي من تغوّل العسكر والدكتاتوريات باتجاه عالم ينمو، المدرسة فيه أعلى شأناً من الزنزانة، والمشفى فيه أعظم رعاية من المقصلة.

“الطريق إلى القدس”، هذا هو شعار الملالي وأذرعهم، والطريق إياه لن يكون إلاّ بتدمير ما لم يُدمّر بعد، وبما أن الحال كذلك، فها هي طهران تطلق اذرعها من باب المندب إلى جنوب لبنان، فيما صواريخ حلفائها لا تتعدى ألعاب الاحتفالات.

طريق القدس ابتدأ بتدمير المفاعل النووي العراقي وتحول العراق “بلد النهرين” إلى “عراق العطش”، وطريق طهران إلى القدس ابتدأ بكل ما يستبب بتدمير دمشق وبيروت الجنوب.

ما الذي تبقّى لاستكمال اللعب في اللعبة؟

كل ما تبقّى انكشاف المهزلة وراء هذا الكم الهائل من التراجيديات.

وحده ما تبقّى ولعنة التاريخ أنه لا يُقرأ بعيون ضحاياها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى