fbpx

خاص مينا: العلاقة السرية بين الجولاني وإيران

النصرة.. داعش.. إيران.. شركاء متشاكسون

لا يمكن للتاريخ أن ينسى أفضال إيران على تنظيم القاعدة وما تفرّع عنها من تنظيمات جديدة، وكأن التنظيم يتكاثر بالانشطار؛ حيث بات جرثومة تتواجد في مناطق كثيرة من هذا العالم، ويدعي كلّ فرع استقلاليته عن بقية الفروع للدرجة التي تؤدي إلى اندلاع حروب بينهم، لكن وفي الحقيقة هم شركاء تجمعهم المصالح التي يتشاكسون لأجل الحصول على أفضل نسخةٍ منها.

تقاتل “هيئة تحرير الشام” النصرة سابقاً المليشيات الإيرانية في الشمال السوري، كما تتصدى الهيئة في الوقت ذاته لأختها الكبرى “تنظيم الدولة” المعروفة بـ “داعش” داخل مناطق سيطرتها المحدودة في محافظة إدلب شماليّ سوريا، ومن المعروف أن التنظيم قد انكسرت سطوته بحرب الباغوز الأخيرة في آذار الماضي، حيث سيطرت المليشيات الكردية على عاصمة الخلافة المزعومة مدينة “الرقة” التاريخية، وباتت فلوله أكثر انتقامية وإجراماً من التنظيم ذاته.

تتخذ هيئة تحرير الشام بزعامة “أبو محمد الجولاني” من ملاحقة خلايا “داعش” المتناثرة في إدلب ذريعة لتسويغ انتشارها، بعد التحجج بمهمة القضاء على التطرف الذي من شأنه أن يؤدي إلى حرب كارثية في المنطقة الأكثر اكتظاظاً في سوريا، علماً أنها تساوي التنظيم وربما تفوقه في الانتهاكات.

فيما مضى، كانت فلول التنظيم المقبوض عليهم في مناطق سيطرة الهيئة يخضعون لدورة شرعية، ومن ثم محاكمة قضائية وفق الشريعة الإسلامية، وبناءً على حكم القاضي يُنفذ فيهم الحكم؛ لكن اليوم وبسبب كثرتهم “وفق ما ورد لمرصد مينا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا” من مصادر خاصة داخل المدينة، فإن جنود الهيئة وعناصرها، اليوم، يقومون مباشرة بقتل كل من يتم التأكد من ولائه وانتسابه لتنظيم الدولة “داعش” دون إخضاعه لدورة شرعية أو عرضه على محكمة إسلامية، كما كانوا يدعون ذلك سابقا.

وقالت مصادرنا الخاصة من داخل محافظة إدلب؛ إن أعداد المقبوضين عليهم من عناصر “داعش” كثيرة جداً، وأكثر مما يظهر على الإعلام، وتقول مصادرنا من داخل إدلب بأن جميع المقبوض عليهم يتم قتلهم مباشرةً، هكذا يُشيع أنصار الهيئة حول مصير “الدواعش” بعد القبض عليهم.

لكننا في مرصد مينا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتبعنا لمدة عام عمليات الاعتقال والملاحقة التي تقوم بها “هيئة تحرير الشام” ضد عناصر تنظيم الدولة “داعش” وتكشفت لنا أسرارٌ مرعبة حول مصير الأسرى الخفي.

أسرى في قبضة هيئة تحرير الشام

أعلنت هيئة تحرير الشام “النصرة سابقاً” في 4 حزيران من عام 2018 أنها تعقبت عناصر تشك بانتمائهم لتنظيم الدولة، وبعد أن تأكدت من ذلك داهمت مقرهم الواقع في مدينة سلقين بريف إدلب الغربي، وقامت بقتل وأسر العشرات منهم.

وادّعت حينها الهيئة أن هذه المجموعة “الداعشية” كانت تخطط لتنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات في مناطق متفرقة من محافظة إدلب.

ومن بين القتلى الذين تتبعنا أسماءهم وهوياتهم عبر محركات البحث على شبكة الإنترنت، والتواصل مع شخصيات متواجدة في الشمال السوري وإقليم الأحواز العربي المحتل من قبل إيران، تبيّن لنا أن من بين القتلى والأسرى لدى الهيئة شباناً عرباً من إقليم الأحواز العربي وهم:

1- شاب من إقليم الأحواز المحتل من قبل إيران، ويدعى “حاتم جواد المرمضي” التحق بتنظيم داعش في أوائل عام 2017 ، ويبلغ حاتم المرمضي من العمر 20 عاماً يسكن في قرية المالكية إحدى قرى قضاء الخفاجية في غرب الأحواز، ولدى مقارنة المعلومات والصور التي بحوزتنا تبيّن لنا أن “الممرضي” قتل في عملية المداهمة التي نفذتها هيئة تحرير الشام ;ndashالنصرة سابقاً- في حزيران 2018، حيث نشرت الهيئة صورةً له بعد قتله وعنونتها بـ “قتلى الخوارج على يد مجاهدي تحرير الشام في معسكر لهم بريف إدلب الغربي”.

حاتم جواد المرمضي في معسكر سلقين بريف إدلب

الصورة في القسم اليساري للشاب الأحوازي القتيل حاتم جواد المرمضي

2- ومن بين أسرى تنظيم داعش الذين اعتقلتهم هيئة تحرير الشام في معركة اقتحام معسكرهم في سلقين، أحوازيان اثنان أولهما “صادق عبد العلي الساعدي” التحق بتنظيم الدولة “داعش” في عام 2017 وتثبت معلوماتنا بأن “الساعدي” ثلاثيني العمر ومن أبناء مدينة الخفاجية غرب الأحواز أيضاً، مما يعني أنه وصل مع القتيل “حاتم الممرضي” إلى سورية معاً.

صادق عبد العلي الساعدي أسيرا لدى هيئة تحرير الشام

3- وثانيهما “حيدر مغامس كريم العبيداوي” التحق أيضا بداعش في أوائل عام 2017 وهو أيضاً في الثلاثينات من عمره، ومن أبناء مدينة البسيتين الواقعة على حدود الأحواز-العراق.

تتبعنا الفديوهات الصادرة عن الأذرع الإعلامية لهيئة تحرير الشام، وتبيّن لنا أنه فعلاً تم القبض على الرجلين الأحوازيين، اللذين تعرفنا عليهما عبر سلسلة من عمليات البحث والمتابعة، وذلك في عملية الهيئة في صيف 2018؛ لكنّ الهيئة اتبعت أمراً غريباً أثناء عرضها لأسراها، حيث قامت بتغيير اسم أحد الأسرى وهو “حيدرمغامس كريم العبيداوي” الذي ظهر في تسجيل مصور بثته هيئة تحرير الشام لاعترافات عناصر “داعش” وعرضته حينها قناة “أورينت” ظهر حينها “العبيداوي” يرتدي تي شرت أحمر وعرّف نفسه بـ ” عمار كريم حمزة ” الأحوازي من إيران.

يمكنكم الدخول إلى الرابط هنا ومشاهدة مقطع الاعترافات، حيث يظهر “العبيدات، عمار كريم حمزة في نهاية المقطع”.

مصير مرعب للأسرى الإيرانيين

“صادق عبد العلي الساعدي”، الأسير الداعشي الذي ألقي القبض عليه في معسكر سلقين من قبل هيئة تحرير الشام النصرة سابقاً- في ذات عملية حزيران 2018، لم يكن مصيره مشابهاً لمصير أي من زميليه، حيث لقي “الممرضي” حتفه في الهجوم، بينما أسر “العبيدات، عمار كريم حمزة” ولم يعرف مصيره بعد.

المرعب في الأمر وصول “الساعدي” إلى إيران في ظروف غامضة. . . !

صادق عبد العلي الساعدي في أحد معسكرات داعش في سورية

فقد نشر موقع “أحوازنا” وهو موقع عربي أحوازي معارض للاحتلال الإيراني للأحواز العربية، في 12 أيار الماضي أسماء، قال إنهم أسرى لدى إيران، وتصل عقوبة بعضهم لحد الإعدام، وورد اسم وصورة “صادق عبد العلي الساعدي” الداعشي الذي قبضت عليه هيئة تحرير الشام في معسكر سلقين التابع لتنظيم الدولة. . .!

كيف وصل الأسير لدى هيئة تحرير الشام ;ndashالنصرة سابقاً- إلى إيران؟ سؤال يطرح نفسه وبقوة، وماذا تريد إيران من داعشي تركها ورحل عنها، في الوقت الذي تتهرب دول أوروبا من استرجاع داعشييها ومحاكمتهم على أراضيها؟

إلا أن مصادر خاصة لـ “مينا”كشفت أن الحرس الثوري الإيراني، الذي على ما يبدو هو الجهة التي استلمت الأسير الإيراني من الجولاني، ومن المتوقع أن تهم في تطبيق حق الإعدام بحقه، بعد تحميله وآخرين، مسؤولية الهجوم الذي تعرض له الحرس الثوري في شهر شباط- فبراير الماضي.

علاقات قديمة ووساطات جديدة

في عام 2015 كشفت صحيفة الشرق الأوسط في تحقيق استقصائي لها عن وجود ارتباط وثيق بين إيران وتنظيم الدولة- داعش وذلك قبل إعلان فك الارتباط بين النصرة- التي أصبحت فيما بعد هيئة تحرير الشام-.

وقالت صحيفة “الشرق الأوسط” إنها علمت ومن مصادر مطلعة أن إيران كانت ولا تزال مكاناً حيوياً لإدارة أعمال تنظيم القاعدة منذ عام 2007، وأشارت المصادر إلى أن قياديين في تنظيم القاعدة يديرون عملية التنسيق في استقبال المقاتلين من السعودية، وآخرين يملكون تسهيلات مالية عالية لسفر المقاتلين إلى مناطق القتال الأخرى بعلم السلطات الإيرانية، ومنهم أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، المعروف بـ”جعفر الأوزبكي”، وعز الدين عبد العزيز خليل المعروف بـ”زين العابدين السوري”، والسعودي صالح القرعاوي المعروف بـ”نجم الخير”.

وكشفت الصحيفة عن مصادرهاعلاقة إيران مع تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، إذ إن أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، المعروف بـ”جعفر الأوزبكي”، كان يعد من أهم عناصر “القاعدة” في إيران، ويملك تسهيلات عالية، نتيجة علاقته مع مسؤولين إيرانيين، لا سيما أن وزارة الخزانة الأميركية أكدت أن جعفر الأوزبكي يعمل “بعلم السلطات الإيرانية” على تجنيد مقاتلين لصالح جبهة النصرة هيئة تحرير الشام حالياً-، ويدير شبكة مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا.

فربما تكون تركيا هي الوسيط بين إيران والجولاني، إما عبر أراضيها أو عبر مسؤوليها، فخلف الأبواب المغلقة في الاجتماعات السياسية لا أحد يدري ما هي الصفقات التي تدار ومن يديرها بالتحديد.

صفقات سياسية جهادية

تأكد مرصد مينا والشرق الأوسط عبر مصادره المتعددة أن صفقة سياسية وسلطة عسكرية أُبرمت بين الجولاني وطهران، وفق معادلة “الأسرى الأحوازيون مقابل إدلب”، لذا فإن عدد المقاتلين الإيرانيين في معارك إدلب الأخيرة كان أقل، واعتمدت إيران على الميليشيات الصغيرة المحلية غير التابعة بشكل مباشر للحرس الثوري الإيراني، بينما نزل الضباط الروس إلى ميدان المعركة.

فيما لا يستبعد خبراء ومحللون ضلوع تركيا فعلياً بدور الوساطة، إلاّ أن الدولتين تظهران اهتماماً كبيراً باستقطباب ما يسمى بـ “الجهاد” لصالحهما.

الجولاني يحفظ ماء الوجه الإيراني

22 أيلول 2018 أي بعد عملية القبض على “صادق عبد العلي الساعدي” بـ قرابة الشهرين ونصف حصل تفجير في عرض عسكري للجيش الإيراني في إقليم الأحواز العربي المحتل.

فشلت المخابرات الإيرانية في إلقاء القبض على الفاعلين في حين تبنت جهات عدّة التفجير، ففي الوقت الذي تبنى تنظيم الدولة “داعش” التفجير، تبنت حركة النضال العربي لتحرير الأحواز التفجير أيضاً.

وأمام تناقض التبني وعجز المخابرات الإيرانية في تحديد هوية المناضلين الذين كسروا من هيبة الجيش في عقر داره، لم يحفظ كرامة المخابرات الإيرانية إلا الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” – جبهة النصرة سابقاً، قبل فك ارتباطها بتنظم القاعدة – الذي ما تزال إيران حتى اليوم تقدم له الدعم اللوجستي وغيره.

في صفقة تبادل الأسرى مقابل أشياء كثيرة مثل مكانة الجولاني وتنظيمه في حربه ضد إيران مثلاً، وصل “صادق عبد العلي الساعدي” إلى إيران، بوصفه مفجر العرض العسكري، الخبر الذي حفظ ماء وجه المخابرات الإيرانية الفاشلة في تحديد غريمها الحقيقي حتى اللحظة.

في مشهد تتشابك خيوطه وتتعقد تبدو جميع الأطراف في الشمال السوري أعداء يتقاتلون لأجل مصالح متضاربة، لكن السياسة تعلمنا دروساً بليغة في كل يوم وعند كل حدث؛ فما يبدو لك حرباً تقتل الأبرياء قد يكون باب تفاوض سخي، وما تظنه أنه عِداء ما هو إلا توافق باطني متكامل الأركان يجد مخرجاً للظهور.

مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى