fbpx

تمكين المرأة السورية؛ الإشكالية والابداع

اختصار فكرة تمكين المرأة السورية من خلال مجموعة من المقالات والدراسات، هو جريمة بحق هذه المرأة التي دفعت الثمن الأكبر، في أبشع حرب من حيث الانتهاكات التي تعرض لها الإنسان، إذ تجاوزت الفظاعات التي حدثت فيها، ما حدث في البوسنة والهرسك، أو راوندا، أو الروهينغا وغير ذلك، وإذا كان قسماً من الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السورية بات معروفاً، فإن القسم الأكبر من الانتهاكات ما يزال طي الكتمان، وهو ذلك القسم الذي لم تنته فصوله بعد، وما تزال نسوة تتمزق أكبادهن يبحثن عن فرصة للعيش فحسب، بعد الانتهاكات التي افتعلها بحقهن نظام الأسد، جاء دور المجتمع الذي حكم على كثيرات منهن بمقياس الجهل لا العدل، لأنهن ضحايا فحسب.

  • أزمة في علم الاجتماع العربي

إعادة إنتاج علم الاجتماع العربي هو مطلب ضروري وملحّ، من أجل التفكير في كيفية إعادة صوغ نظرية اجتماعية عربية، في مواجهة نمط القبيلة في معاملة المرأة، وهو ضروري أيضاً، من أجل إخراج حقوق المرأة من براثن القوى الظلامية التي تدعي الإسلام، أو مشايخ السلاطين، حيث يوظّف الدين ما بين خدمة الحاكم، أو مصالح القبيلة الضيقة، وما نعنيه أن الدين كان -وما يزال- يستخدم أداة لفرض توجهات سياسية أو ثقافية مجتمعية محددة. للخروج من هذه الأزمة، ولأجل إعادة تمكين المرأة في المجتمع، يجب علينا أولاً، أن نعيد فهم المرأة العربية واكتشافها، لأننا ما نزال حتى اللحظة لا ندرك أننا متأخرون عن الأمم بسبب تعطيل دور هذا الكائن الوظيفي الحقيقي من حيث تمثيله نصف المجتمع، حيث نقلناه من مكونات الإبداع، إلى ميدان الأعباء، وهذا ما لم يفعله البشر حتى في القرون الوسطى، وهي الضرورة التي لا بد من السعي إليها، بعدما أوشك غيرنا من الأمم على تتجاوز الكرة الأرضية بعلومها ومكتشفاتها، بينما نحن قيد سجال في أبسط الحقوق فحسب.

  • المرأة من الإبداع إلى السلب

في مطلع العصر الإسلامي كانت وظيفة المرأة عموماً هي التربية والإنجاب، والعمل في قطاعي الزراعة والتجارة وشاركت المرأة في رسالة الثقافة، من خلال الشعر والحكمة، واشتغلت في الطب، بما في ذلك تطبيب الجروح، أي إنها عملت في مكونات ذلك العصر كلها ثم سُلِبت هذه المكتسبات من المرأة، وتحولت إلى وظيفة محدودة، هي الإنجاب والتربية رويداً رويداً، وأُقفل الباب عليها، وغُطِّي وجهها وكفاها ثم عُزِلت عن كامل الحياة، وهذه ليست ثقافة إسلامية بتاتاً، وإنما ثقافة استحدثها لاحقاً علماء ومشايخ، استجابوا لمصالح القبيلة بذريعة درء الفساد، ما أدى في النهاية إلى استفراد الرجل بكامل مهمات المرأة الخارجية، وقام بتحويلها إلى قطعة أثاث منزلية لها وظائف محدودة. النتيجة الطبيعية والتلقائية لاحتجاز المرأة خلف الأسوار، هي أن الأمة أنجبت في وقت سابق أجيالاً من الناس لا تجيد القراءة ولا الكتابة، وإذا كانت الدولة العربية الحديثة قد استدركت مسألة التعليم، فإن المدرسة العربية ما تزال ترفد المجتمع بأجيال يجيدون القراءة والكتابة، لكنهم يحملون أمية ثقافية، هي واحدة من مآسي العصر الراهن الذي نعيشه.

  • خطواتنا إلى أين؟

أجيال عاشت وتربت على معاملة المرأة بصفتها كائناً إضافياً آخر، وشكلت عالماً ذكورياً استولى على كل شيء بذريعة مختصرة وهي كلمة (الشرف) فإذا كان الإسلاميون قد عزلوا المرأة بذريعة (افترضوا) أنها دينية، فإن غيرهم جعل من المرأة محض قارئة للفنجان، أو تمضي وقتها في قص الحكايا المنسوبة إلى عالم وزمن آخر، فيما يحرمون عليها إبداء الرأي حتى في أبسط حقوق الاختيار، ولعل بعضنا ممن تربى في بيئة شبه طبيعية لا يكاد يصدق حجم الظلم والقهر الذي تعيشه المرأة في بيئة قريبة مجاورة. ومن الطبيعي أن نقر بعدم نشأتنا في بيئة طبيعية كاملة، لأن المتغيرات الطبيعية لا ينتج منها حالة الانقسام الشديد في الرأي حول المرأة، ولعل الإسلاميين الأقرب إلى تأصيل هذا الانقسام أكثر من غيرهم، فبينما أثبت تعليم المرأة تطورها وتحقيقها منزلة مهمة في عملية انتقال بين الريف والمدينة، غير أن صورة جيل المتأسلمين وثقافتهم جعلت التضاد غير المنطقي موجوداً في كل مكان، فليس الأمر فقط جلب امرأة أوروبية (ودعوشتها) لكنها ثقافة تنمو وتتسع. بدأت نتيجة تأثيرات الحركة الوهابية قبيل ثلاثة قرون، وسوّغت الخروج من الضعف والهزيمة أنه يبدأ بمنطق جلد الذات فحسب. أليس هو النبي الكريم الذي رجع إلى خديجة وقال لها (زملوني) وما تعنيه هذه الدلالة أن تكون امرأة مع بدء النبوة، وهو الذي لجأ إلى أم سلمة خشية هلاك الناس عقب رفضهم صلح الحديبية أول الأمر، والمرأة هي زوجة إبراهيم وهي امرأة عمران، وهي مريم، وهي ابنتا شعيب، والتاريخ طويل.

  • من أين تبدأ المشاركة

الحروب كلها في الكون تخلف كوارث اجتماعية مهلكة، لكن الكارثة الكبرى، هي ذلك السلوك الذي يمارس ضد المرأة التي تعرضت للانتهاكات، فالثقافة القائمة في المجتمع السوري تختلف جذرياً عن الثقافة لدى شعوب عربية مجاورة، فبينما كان يتجاوز اللبنانيون المحن الاجتماعية التي خلفتها الحروب على المرأة وكذلك الفلسطينيون، ما يزال الوضع السوري يعود نحو الدائرة الضيقة التي يكثر فيها زواج القاصرات، ما يعني حرمانهن من التعليم وتكرار مسألة إنجاب جيل أمي، وإعادة إنتاج المجتمع السابق نفسه، على الرغم من أنه كان للتعليم الخاطئ وتضييق الخناق على المرأة اليد العليا في الفوارق الاجتماعية والثقافية التي كانت أبرز سمات تطاحن مشروع الثورة السورية داخلياً.

  • الاختلاط

التعليم المختلط هو حل عاجل وضروري، لأن الجيل المقبل إذا لم يرَ شراكة الحياة منذ طفولته فلن ينجح في اختيار طريق سليم للعبور، ولعل التعليم يزيل الفوارق الاجتماعية والثقافية، ويعمل على توحيد لبنات المجتمع التي تعرضت لاهتزاز كبير، ولعل الأهم، هو استثمار أكبر قدر ممكن من النساء، وجعل ملف التعليم حصرياً بيد المرأة في سوريا وحدها من خلال علاقتها بالطفل والطفولة. لقد تعبنا تماماً من دور المدرسين الذكوري الذين ظلوا يمارسون صنع جيل ذكوري مهمته في الحياة أن يكون بطلاً، فبعد سيل الجراح، دعونا نفكر قليلاً كما فكر اليابانيون الذين كان جيلهم السابق يمارس فن الانتقام، بينما جيلهم الحالي يعلم البشرية فن الاحترام. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى